مصر الحبيبة. ذلك الوطن الذي غادرته ولم يغادرني، وهجرته وإن لم يهجرني، والذي اتمني الا اخذله ابداً حتي اذا اصر هو علي ان يخذلني. قررت اصدار هذه المدونة المتواضعة للحديث عنه هو دون غيره لعله يرضي عني ويسمع ندائاتي.
عندما اخترت صورة للاهرامات كرمز اضعه اعلا مدونتي الجديدة لم يكن ذلك قرار سهل او عشوائي، بل كان نتيجة عمليتي رصد وفحص عميقين لمختلف الرموز التي تعبر عن مصر.
اسفرت خطوة الرصد عن قائمة طويلة احتوت علي لقطات متنوعة لنهر النيل في مواقع شتي من الدلتا مروراً بالعاصمة الي اسوان والسد العالي و صور لقلعتي صلاح الدين و قايتباي و برج الجزيرة والازهر الشريف والكنيسة المعلقة ومسجد سيدنا الحسين ودير سانت كاترين والعلم المصري ومعابد الكرنك ولقصر وحاتشبسوت واخيراً اهرامات الجيزة وحارسها الصبور ابو الهول.
تطرقت بعد ذلك لإبعاد كل الصور التي قد تميز منطقة او ديانة او انتماء دون الاخري مثل مناظر النيل الخلابة وجميع دور العبادة وحتي برج الجزيرة الذي احسست انه قد يستفذ اصدقائي الزملكاوية. لم يبقي سوي العلم المصري او الرموز الفرعونية. سرعان ما اسقطت العلم من حساباتي ايضاً لأنني شكلاً وموضوعاً مازلت انعي العلم الاخضر ذو الهلال والثلاث نجوم، ولذا كان سيكون العلم الجديد "المقلم" مستفذ لمشاعري انا شخصياً لاسباب سيطول شرحها هنا ولنا فيها وقفة مستقبلية. اما المعابد الثلاث السالف ذكرهم فاحسست انهم اقل شمولية ومن ثم اقل تعبير عن مصر الفرعونية مقارنةً باهرامات الجيزة وابو الهول الذين اصبحا آخر الاحتمالات المتبقية، ومن ثم وجب علي الاختيار بينهما.
بعد نظرة سريعة الي بعض الصور وتفكير سطحي قررت فوراً ان ابو الهول هو الفائز لأنه يعبر عن صمود هذا الوطن العظيم بطريقة تستأثر الخيال اكثر من تلك المثلثات التي لم افهم الي يومنا هذا المغذي الهندسي من تشييدها مع احترامي الشديد لعبقرية تنفيذ عملية بنائها دون معدات المقاولون العرب او لودارات حسن علام. فوضعت فوراً بعض الصور لهذا الشامخ الصامت الصبور امامي حتي اختار من بينها اللقطة المثالية زاويةً وحجماً لكي اضعها علي هذه المدونة واذا بي فجأةً اتمعن في هذا الوجه وهذا الجسد بطريقة لم اتطرق إليها طوال حياتي من قبل.
رأيت هذا الجسد لأسد هادئ رزين، ولكن في الوقت نفسه قوي مستعد للانقضاض لحماية زويه دون تردد. وجدت فيه القوة والشموخ والثقة وتحمست اكثر لاختياري. ثم تأملت وجه فرعون ووجدت في نظراته الذكاء والفطرة والحكمة. رغم انف من يراه بلا انف، وجدته كاملاً لا ينقصه شيئاً، وزادت فرحتي بقراري الحكيم. كل هذه القوة كل هذا الشموخ وهذه الحكمة، نعم هذا هو الرمز الذي يستحق شرف تمثيل مصر.
ثم خذلتني افكاري دون سابق انذار وإذا بي اغوص في احوال هذا الوطن الحبيب. تاريخ حافل بالاستعمار والاستغلال والاستبداد. جغرافيا اصابها فيضانات وحرائق وزلازل. فساد نتج عنه مجاعات وعبارات تغرق وقطارات تدهس. سياسة سمحت بالسطو علي مال الشعب واعلام يكذب وسلطة تبطش. رأيت المغرض الأفاق ناجح والصالح الطيب كادح. رأيت قوي خارجية تعبث واخري داخلية لا تبالي. رأيت شعب يعبد الله في ملبسه ومناسكه ويكفر به في اخلاقه وافعاله. وجدت آمال محطمة واعراض مهتكة. فقر تخذي العين رؤياه بجوار غناء يعجز العقل عن فهمه.
نظرت لصورة ابو الهول مرة اخري وقررت فوراً انني استأت الصبر والشموخ الذي يعبر عنهما ونقمت علي هذا الاسد المتفرعن الذي لم يقم ولم ينقض حتي اصبح رمز للمهانة وللصبر علي الافتراء وليس القوة او الشموخ. ومن هنا صورة الاهرامات.
No comments:
Post a Comment