حاضرني اليوم انتقادات السيد البدوي والنائب مصطفي البكري منذ شهر مضي علي شاشات التلفزيون المصري للدكتور البرادعي واتهامهما له بالمراهقة السياسية وعدم فهمه طبيعة العمل السياسي في مصر. اتذكر ايضاً انتقادات اصدقائي لي عندما اتهمت الوفد بخيانة الشعب المصري بقراره قبول دور الكومبارس في مسرحية الانتخابات الوطنية. وما زالت عبارات ضرورة المشاركة وعدم ترك الساحة خالية للمغرضين تملئ اذاني. لم انسي المنطق الذي هوجمت به عندما كتبت واعلنت عن اقتناعي ان امل مصر الوحيد في التغيير هو عن طريق تغيير لقواعد اللعبة ذاتها قبل خوضها، فقوبلت بوابل من العبارات مغزاها "ما انت لازم تشارك عشان تغيير". واتذكر بوضوح ردي ان القائمين عليها لن يسمحوا بأي تغيير من الداخل وان الحل الوحيد هو خلق لعبة جديدة لا يعرفوا ابعادها، مثل المقاطعة التي كان الحزب الحاكم فعلياً يرتجف منها ويخشاها، علي عكس المشاركة التي احترفوا التعامل معها. اتذكر اخيراً عبارات السخرية من مثقفين ومتعلمين مغزاها ان البرادعي "مالوش فيها" واني "مش فاهم النظام" لاني مثله "بعيد وايدي مش فيها"، واتذكر ردي ان هذا قد يكون السبب انني اتفق مع هذا العالم الوطني النزيه الذي تمكن من رؤية الصورة كاملة، ولم ينخرط الي التفاصيل التي نجحت السلطة في ان تشغل الشعب بها.
لن اتطرق الآن للتعليق علي كل ما سبق في ضوء نتائج الانتخابات لانني واثق من ان القارئ قادر علي ذلك بمفرده، والاهم من ذلك انني لا يهمني ان اكون علي صواب او ان اشمت في من عارضوني او هاجموني او "سخفوني"، بقدر اهتمامي ان نتعلم سوياً درس فد يفيدنا جميعاً في المستقبل القريب ان شاء الله. لا جدوي ايضاً من التطرق الي التجاوزات والبلطجة والتزوير بوقائعها المثبوتة صوت وصورة لان لا جديد في ذلك. لن اخوض في تحليل النتائج بشكل فردي سواء من وجهة نظر حزب او جماعة او مرشح. واخيراً سأعفي القارئ من الحديث عن مسقبل هذا المجلس الهزيل الذي يشبه خليط من رابطة رجال اعمال ومكتب خدمات اكثر منه مجلس تشريعي كما هو متعارف عليه في العالم باجمعه كسلطة غرضها مناقشة القوانين واصدارها ومحاسبة السلطة التنفيذية.
دعونا فقط ننظر سوياً لما حدث وان نتفق من حيث المبدأ ان انتخابات اول امس اثبتت ان هذا الحزب الحاكم احترف العملية الانتخابية لدرجة انه تفوق علي نفسه. النتيجة يمكن تلخيصها في ان الخريطة السياسية خلت الآن تماماً من اي احزاب او جماعات واصبحت صورة هزلية لعملية الانفراد بالحكم، وعدم وجود حتي شبهة تداول لهاذا الحكم في أي وقت قريب. الوفد الشقيق والاحزاب الاخري تناولوا الفتافيت والاخوان لم ينجح احد. انا اعتقد ان الحزب الوطني في ورطة جديدة وانهم بالتأكيد الآن يحاولون "تظبيط" النتيجة لكي ينجح بعض المعارضين والمستقلين في الاعادة علي الاقل لان القصة "وسعت منهم شوية" وكما نعلم "اللي يزيد عن حده يتقلب ضده".
وهنا مربط الفرس، ومن هذا المنطلق اختار اليوم ان اتفائل وان اعزم ان الفائز الحقيقي في هذه العملية هو الأمل. نعم الأمل. اتعشم ان "اللي يزيد عن حده يتفلب ضده" فعلاً وان ننظر لما حدث علي انه تكملة مهمة واضافة ايجابية لمجموعة العوامل المتزامنة التي تجعل من وضع مصر الراهن فرصة فريدة لابد من اقتناصها. اهم هذه العوامل هو انشقاق الحزب الحاكم في مسألة الرئاسة نظراً لحالة الاب الصحية وعدم تقبل الشعب والمؤسسات للإبن، وهذه المسألة هي الهدف الاساسي وراء الانتخابات التشريعية، لان هذا المجلس هو الذي سيرشح ذاك الرئيس بجانب ادخال المية والنور في الحي طبعاً (!!). العامل الثاني هو تدهور حال المواطن المصري الي درجة لم يسبق لها مثيل من قبل، وفقدان هذه الحكومة لمصدقيتها تماماً، واتفاق الجميع علي عدم قدرتها علي الاصلاح اقتصادياً او اجتماعياً او سياسياً بما لا يدع مجال لأي شك. ثالثاً وهو آخر العوامل هو وجود البديل الذي نجح فعلياً في ما لم ينجح فيه احد من قبله وهو حشد كم هائل من المساندين له ولافكاره وهو تيار التغيير وعلي رأسه الدكتور البرادعي. اذا اضفنا الآن لهذه العوامل الثلاث فقدان الحزب الحاكم بهذه النتيجة المضحكة لآخر خيوط المصداقية تجاه الشعب والقوي السياسية الداخلية والعالم الخارج فسنجد اننا علي مشارف فرصة حقيقية.
اتمني فقط ان يكون آخر عنيد قد اقتنع ان لا جدوي من انصاف الحلول وان لا محال من التغيير الحقيقي. اتعشم الا ينساق البعض مننا مرة اخري خلف السيد البدوي وامثاله بفرمانه اشراك حزبه الوفدي الموقر ككومبارس في المسرحية الانتخابية الوطنية. اتعشم الا ننخدع من الغلاف الديمقراطي الجميل الذي ابدع في اخراجه بإيحاء من ابائه الروحيين عزمي وعز وبمساعدة الحكومة النزيهة واعلامها الشريف لكي يعتقد ويؤمن المشاهد الطيب البرئ بشفافية وسيلة اتخاذ هذا القرار بداخل اروقة حزب النحاس رحمة الله عليهما. اتعشم ان نتفهم جميعاً ان جماعة الاخوان المسلمين قوي سياسية حقيقية يجب التصدي لها بقوي اخري مثلها تفهم طبيهة هذا الشعب ومشاكله. اتعشم ان يفهم الجميع ان المسرحية ممكن وقف عرضها فعلاً. كبر سن النجمة التي احتكرت البطولة بزواجها من المنتج صاحب الدولارات، وطمع نجلتها في ميراث الدور منها كحق شرعي لنجلة الاب سام وان كانت طفلة غير شرعية لان العم تحرم عليه ماما، واستياء الممثلين المساعدين من احتكار الام وابنتها وفقدان الامل في ظهورهم علي أفيش او حتي اعلان، واعتكاف الجماهير عن متابعة العروض المتكررة السخيفة لان التكرار بيعلم اشطر الشطار، و أخيراً ظهور سيناريو جديد علي الساحة يعطي امل حقيقي للجميع بامكانية تغيير النص والعمل علي تقديم عرض بديل تتساوي به فرص البطولة والمشاركة للجميع دون النظر في درجة القرابة من القائمين علي المسرح، كل هذه فرص اتعشم ان نفهمها جيداً. فعلياً اتعشم ان يفهم الجميع ان المواطن المصري الكادح المطحون سيتمكن من تقرير مصيره والاصلاح من نفسه لاول مرة قريباً حتي يصلح الله احواله بدخول عرض المسرحية الجديدة بعد ان كان العرض الوطني هو الاوحد الذي كتب عليه كما كتب علي الذين من قبله.
اتوقع عبارات من شبيه " انت تاني؟" او "انت لسة عندك امل؟" او "بتنفخ في قربة مقطوعة" ولا ابالي لانني مقتنع اننا من حقنا الا نيأس والا نكف عن الحديث لان الهدف هو حياتنا وحياة اولادنا. واكرر في الخاتمة كما اوضحت في العنوان: انا مش شمتان، انا عشمان يااخواننا...
No comments:
Post a Comment