Tuesday, November 30, 2010

هو ابو الهول ساكت ليه؟

مصر الحبيبة. ذلك الوطن الذي غادرته ولم يغادرني، وهجرته وإن لم يهجرني، والذي اتمني الا اخذله ابداً حتي اذا اصر هو علي ان يخذلني. قررت اصدار هذه المدونة المتواضعة للحديث عنه هو دون غيره لعله يرضي عني ويسمع ندائاتي. 

عندما اخترت صورة للاهرامات كرمز اضعه اعلا مدونتي الجديدة لم يكن ذلك قرار سهل او عشوائي، بل كان نتيجة عمليتي رصد وفحص عميقين لمختلف الرموز التي تعبر عن مصر.

اسفرت خطوة الرصد عن قائمة طويلة احتوت علي لقطات متنوعة لنهر النيل في مواقع شتي من الدلتا مروراً بالعاصمة الي اسوان والسد العالي و صور لقلعتي صلاح الدين و قايتباي و برج الجزيرة والازهر الشريف والكنيسة المعلقة ومسجد سيدنا الحسين ودير سانت كاترين والعلم المصري ومعابد الكرنك ولقصر وحاتشبسوت واخيراً اهرامات الجيزة وحارسها الصبور ابو الهول. 

تطرقت بعد ذلك لإبعاد كل الصور التي قد تميز منطقة او ديانة او انتماء دون الاخري مثل مناظر النيل الخلابة وجميع دور العبادة وحتي برج الجزيرة الذي احسست انه قد يستفذ اصدقائي الزملكاوية. لم يبقي سوي العلم المصري او الرموز الفرعونية. سرعان ما اسقطت العلم من حساباتي ايضاً لأنني شكلاً وموضوعاً مازلت انعي العلم الاخضر ذو الهلال والثلاث نجوم، ولذا كان سيكون العلم الجديد "المقلم" مستفذ لمشاعري انا شخصياً لاسباب سيطول شرحها هنا ولنا فيها وقفة مستقبلية. اما المعابد الثلاث السالف ذكرهم فاحسست انهم اقل شمولية ومن ثم اقل تعبير عن مصر الفرعونية مقارنةً باهرامات الجيزة وابو الهول الذين اصبحا آخر الاحتمالات المتبقية، ومن ثم وجب علي الاختيار بينهما. 

بعد نظرة سريعة الي بعض الصور وتفكير سطحي قررت فوراً ان ابو الهول هو الفائز لأنه يعبر عن صمود هذا الوطن العظيم بطريقة تستأثر الخيال اكثر من تلك المثلثات التي لم افهم الي يومنا هذا المغذي الهندسي من تشييدها مع احترامي الشديد لعبقرية تنفيذ عملية بنائها دون معدات المقاولون العرب او لودارات حسن علام. فوضعت فوراً بعض الصور لهذا الشامخ الصامت الصبور امامي حتي اختار من بينها اللقطة المثالية زاويةً وحجماً لكي اضعها علي هذه المدونة واذا بي  فجأةً اتمعن في هذا الوجه وهذا الجسد بطريقة لم اتطرق إليها طوال حياتي من قبل.

رأيت هذا الجسد لأسد هادئ رزين، ولكن في الوقت نفسه قوي مستعد للانقضاض لحماية زويه دون تردد. وجدت فيه القوة والشموخ والثقة وتحمست اكثر لاختياري. ثم تأملت وجه فرعون ووجدت في نظراته الذكاء والفطرة والحكمة. رغم انف من يراه بلا انف، وجدته كاملاً لا ينقصه شيئاً، وزادت فرحتي بقراري الحكيم. كل هذه القوة كل هذا الشموخ وهذه الحكمة، نعم هذا هو الرمز الذي يستحق شرف تمثيل مصر. 

ثم خذلتني افكاري دون سابق انذار وإذا بي اغوص في احوال هذا الوطن الحبيب. تاريخ حافل بالاستعمار والاستغلال والاستبداد. جغرافيا اصابها فيضانات وحرائق وزلازل. فساد نتج عنه مجاعات وعبارات تغرق وقطارات تدهس. سياسة سمحت بالسطو علي مال الشعب واعلام يكذب وسلطة تبطش. رأيت المغرض الأفاق ناجح والصالح الطيب كادح. رأيت قوي خارجية تعبث واخري داخلية لا تبالي. رأيت شعب يعبد الله في ملبسه ومناسكه ويكفر به في اخلاقه وافعاله. وجدت آمال محطمة واعراض مهتكة. فقر تخذي العين رؤياه بجوار غناء يعجز العقل عن فهمه. 

نظرت لصورة ابو الهول مرة اخري وقررت فوراً انني استأت الصبر والشموخ الذي يعبر عنهما ونقمت علي هذا الاسد المتفرعن الذي لم يقم ولم ينقض حتي اصبح رمز للمهانة وللصبر علي الافتراء وليس القوة او الشموخ.  ومن هنا صورة الاهرامات.

انا مش شمتان، انا عشمان

حاضرني اليوم انتقادات السيد البدوي والنائب مصطفي البكري منذ شهر مضي علي شاشات التلفزيون المصري للدكتور البرادعي واتهامهما له بالمراهقة السياسية وعدم فهمه طبيعة العمل السياسي في مصر. اتذكر ايضاً انتقادات اصدقائي لي عندما اتهمت الوفد بخيانة الشعب المصري بقراره قبول دور الكومبارس في مسرحية الانتخابات الوطنية. وما زالت عبارات ضرورة المشاركة وعدم ترك الساحة خالية للمغرضين تملئ اذاني. لم انسي المنطق الذي هوجمت به عندما كتبت واعلنت عن اقتناعي ان امل مصر الوحيد في التغيير هو عن طريق تغيير لقواعد اللعبة ذاتها قبل خوضها، فقوبلت بوابل من العبارات مغزاها "ما انت لازم تشارك عشان تغيير". واتذكر بوضوح ردي ان القائمين عليها لن يسمحوا بأي تغيير من الداخل وان الحل الوحيد هو خلق لعبة جديدة لا يعرفوا ابعادها، مثل المقاطعة التي كان الحزب الحاكم فعلياً يرتجف منها ويخشاها، علي عكس المشاركة التي احترفوا التعامل معها. اتذكر اخيراً عبارات السخرية من مثقفين ومتعلمين مغزاها ان البرادعي "مالوش فيها" واني "مش فاهم النظام" لاني مثله "بعيد وايدي مش فيها"، واتذكر ردي ان هذا قد يكون السبب انني اتفق مع هذا العالم الوطني النزيه الذي تمكن من رؤية الصورة كاملة، ولم ينخرط الي التفاصيل التي نجحت السلطة في ان تشغل الشعب بها.

لن اتطرق الآن للتعليق علي كل ما سبق في ضوء نتائج الانتخابات لانني واثق من ان القارئ قادر علي ذلك بمفرده، والاهم من ذلك انني لا يهمني ان اكون علي صواب او ان اشمت في من عارضوني او هاجموني او "سخفوني"، بقدر اهتمامي ان نتعلم سوياً درس فد يفيدنا جميعاً في المستقبل القريب ان شاء الله. لا جدوي ايضاً من التطرق الي التجاوزات والبلطجة والتزوير بوقائعها المثبوتة صوت وصورة لان لا جديد في ذلك. لن اخوض في تحليل النتائج بشكل فردي سواء من وجهة نظر حزب او جماعة او مرشح. واخيراً سأعفي القارئ من الحديث عن مسقبل هذا المجلس الهزيل الذي يشبه خليط من رابطة رجال اعمال ومكتب خدمات اكثر منه مجلس تشريعي كما هو متعارف عليه في العالم باجمعه كسلطة غرضها مناقشة القوانين واصدارها ومحاسبة السلطة التنفيذية.

دعونا فقط ننظر سوياً لما حدث وان نتفق من حيث المبدأ ان انتخابات اول امس اثبتت ان هذا الحزب الحاكم احترف العملية الانتخابية لدرجة انه تفوق علي نفسه. النتيجة يمكن تلخيصها في ان الخريطة السياسية خلت الآن تماماً من اي احزاب او جماعات واصبحت صورة هزلية لعملية الانفراد بالحكم، وعدم وجود حتي شبهة تداول لهاذا الحكم في أي وقت قريب. الوفد الشقيق والاحزاب الاخري تناولوا الفتافيت والاخوان لم ينجح احد. انا اعتقد ان الحزب الوطني في ورطة جديدة وانهم بالتأكيد الآن يحاولون "تظبيط" النتيجة لكي ينجح بعض المعارضين والمستقلين في الاعادة علي الاقل لان القصة "وسعت منهم شوية" وكما نعلم "اللي يزيد عن حده يتقلب ضده".

وهنا مربط الفرس، ومن هذا المنطلق اختار اليوم ان اتفائل وان اعزم ان الفائز الحقيقي في هذه العملية هو الأمل. نعم الأمل. اتعشم ان "اللي يزيد عن حده يتفلب ضده" فعلاً وان ننظر لما حدث علي انه تكملة مهمة واضافة ايجابية لمجموعة العوامل المتزامنة التي تجعل من وضع مصر الراهن فرصة فريدة لابد من اقتناصها. اهم هذه العوامل هو انشقاق الحزب الحاكم في مسألة الرئاسة نظراً لحالة الاب الصحية وعدم تقبل الشعب والمؤسسات للإبن، وهذه المسألة هي الهدف الاساسي وراء الانتخابات التشريعية، لان هذا المجلس هو الذي سيرشح ذاك الرئيس بجانب ادخال المية والنور في الحي طبعاً (!!). العامل الثاني هو تدهور حال المواطن المصري الي درجة لم يسبق لها مثيل من قبل، وفقدان هذه الحكومة لمصدقيتها تماماً، واتفاق الجميع علي عدم قدرتها علي الاصلاح اقتصادياً او اجتماعياً او سياسياً بما لا يدع مجال لأي شك. ثالثاً وهو آخر العوامل هو وجود البديل الذي نجح فعلياً في ما لم ينجح فيه احد من قبله وهو حشد كم هائل من المساندين له ولافكاره وهو تيار التغيير وعلي رأسه الدكتور البرادعي. اذا اضفنا الآن لهذه العوامل الثلاث فقدان الحزب الحاكم بهذه النتيجة المضحكة لآخر خيوط المصداقية تجاه الشعب والقوي السياسية الداخلية والعالم الخارج فسنجد اننا علي مشارف فرصة حقيقية.

اتمني فقط ان يكون آخر عنيد قد اقتنع ان لا جدوي من انصاف الحلول وان لا محال من التغيير الحقيقي. اتعشم الا ينساق البعض مننا مرة اخري خلف السيد البدوي وامثاله بفرمانه اشراك حزبه الوفدي الموقر ككومبارس في المسرحية الانتخابية الوطنية. اتعشم الا ننخدع من الغلاف الديمقراطي الجميل الذي ابدع في اخراجه بإيحاء من ابائه الروحيين عزمي وعز وبمساعدة الحكومة النزيهة واعلامها الشريف لكي يعتقد ويؤمن المشاهد الطيب البرئ بشفافية وسيلة اتخاذ هذا القرار بداخل اروقة حزب النحاس رحمة الله عليهما. اتعشم ان نتفهم جميعاً ان جماعة الاخوان المسلمين قوي سياسية حقيقية يجب التصدي لها بقوي اخري مثلها تفهم طبيهة هذا الشعب ومشاكله. اتعشم ان يفهم الجميع ان المسرحية ممكن وقف عرضها فعلاً. كبر سن النجمة التي احتكرت البطولة بزواجها من المنتج صاحب الدولارات، وطمع نجلتها في ميراث الدور منها كحق شرعي لنجلة الاب سام وان كانت طفلة غير شرعية لان العم تحرم عليه ماما، واستياء الممثلين المساعدين من احتكار الام وابنتها وفقدان الامل في ظهورهم علي أفيش او حتي اعلان، واعتكاف الجماهير عن متابعة العروض المتكررة السخيفة لان التكرار بيعلم اشطر الشطار، و أخيراً ظهور سيناريو جديد علي الساحة يعطي امل حقيقي للجميع بامكانية تغيير النص والعمل علي تقديم عرض بديل تتساوي به فرص البطولة والمشاركة للجميع دون النظر في درجة القرابة من القائمين علي المسرح، كل هذه فرص اتعشم ان نفهمها جيداً. فعلياً اتعشم ان يفهم الجميع ان المواطن المصري الكادح المطحون سيتمكن من تقرير مصيره والاصلاح من نفسه لاول مرة قريباً حتي يصلح الله احواله بدخول عرض المسرحية الجديدة بعد ان كان العرض الوطني هو الاوحد الذي كتب عليه كما كتب علي الذين من قبله.

اتوقع عبارات من شبيه " انت تاني؟" او "انت لسة عندك امل؟" او "بتنفخ في قربة مقطوعة" ولا ابالي لانني مقتنع اننا من حقنا الا نيأس والا نكف عن الحديث لان الهدف هو حياتنا وحياة اولادنا. واكرر في الخاتمة كما اوضحت في العنوان: انا مش شمتان، انا عشمان يااخواننا...

Saturday, November 27, 2010

غداً اهم انتخابات في تاريخ مصر

سمعت من كثيرين هذه العبارة اعلاه التي اخترتها عنواناً لهذا المقال الصغير الحيران المتسائل. مع كثرة من يرددونها تعجبت وانتابني الفضول لكي اتبحث مغزاها او مصدرها حتي لا يفوتني الحدث كالعادة وانا مهمش، مثل الطفل الوحيد الذي لا ينتظر "عدية" او ملابس جديدة في عيد يعم علي الآخرين جميعاً دونه بلا سبب مفهوم.

الترقب والفرحة عادةً ما يقترنا بالجديد او المبهج او علي اقل تقدير المثير فنحن نعد الايام حتي ظهور نتيجة دراسية او بداية اجازة او عيد او يوم مبارة فاصلة في كأس او تصفيات لأن كل هذه المناسبات تعود علينا بفرحة او نترقب ما ستأتي به من غيب نأمل فيه بنجاح او تحسن، او علي الاقل براحة واستمتاع حتي اذا عزمنا السفر الي الشاليه ذاته في القرية ذاتها مع الاقارب والاصدقاء والجيران ذاتهم لقضاء اجازة من القالب قد تبدو مشابهة لعشرات سبقوها.

فأين انتخابات مجلس الشعب من هذه العوامل التي بالقطع شعر بها من يرون اهمية لما سيحدث غداً؟ وبالتحديد حتي نركز جهودنا عند البحث، هل هي الفرحة ام الأمل ام الاثارة؟

اعتقد ان "الفرحة" كما نستشعرها مع قدوم الاعياد لا تحتاج الي تنقيب عميق لكي ندرك انها ساقطة من حساباتنا الا اذا كنا مترقبين لعدية مقابل ادلائنا بصوتنا او ربع خروف مقابل خدمات بلطجة لمرشح مؤمن كريم.

"الامل" هو بدون شك اهم بكثير في حالتنا هذه وهو عامل نبيل لا يجرؤ احد علي الاستخفاف به او المصادرة عليه لأنه اذا تواجد فهو نابع من واقع مرير بحاجة شديدة الي تحسن من حق كل منا الاحساس به، مثلنا مثل الطالب الجامعي الذي أخفق عامً تلو الآخر حتي نفذت فرص الرسوب، فإذا لم ينجح اخيراً فسيفصل نهائياً ويضيع كل امل في تخرجه. ولكن تكرار نفس الاخطاء وتوقع نتائج جديدة هو تعريف للجنون اوعلي اقل تقدير للتغيب عن الواقع. فهو يقرأ في نفس المراجع ويحفظ نفس المواضيع ويتدرب علي نفس المسائل ويتوقع او يأمل في نجاح لم يحققه من قبل. فدعوني اتسائل مجازةً عما اذا كان التفائل هنا شرعي ام من مظاهر هلاوس الامتحانات؟ فالاحزاب وطنية، واللجنة وطنية، والاعلام وطني، والمراقبة وطنية، فمن أين املك المعدي هذا ايها الطالب البليد العنيد الغبي في نتيجة مختلفة؟ (مع اعتزاري الشديد للنية الحسنة التي بدورها "زهقت" من صاحبها).

بهذا نكون وصلنا "للاثارة" كآخر ومضة نور قد تضئ ظلام هذا اللغز المحير. طبعاً هي الاثارة. الناس تستشعر اهمية الغد من احداث يصعب استنتاجها وبذلك تصبح انتخابات مجلس الشعب مثل المباراة المرتقبة اللتي يصعب التكهن بنتيجتها، حتي اذا كنت من خبراء عالم الكرة مثلك مثل ال٨٠ مليون مصري الآخرين. فصاحب اللقب فريقه مخدرم يمتزج فيه عوامل الخبرة والشباب والقوة والمال والسلطة يدربه عزمي ويقوده عز وبيلعب بشعار "موافقون" علي الفانلة وبخطة "الشعب والشرطة في خدمة الوطني" عفواً الوطن طبعاً. اما المنافس الذي يبعث في قلوب البعض منا باشعاعات الاثارة وذبذبات الترقب فهو مزيج غير متناسق غير متجانس، منشق علي نفسه، نصفه مباع ونصفه الآخر مغيب، يقوده بدوي سمسار، ويغيب عنه نجمه المصاب الجريح برادعي، ويلعب دون تشجيع من الشعب الإخواني، بدليل شعار "شرف المشاركة" الموصوم علي الفانلة وعلي الجبين، وخطة "اللي ياكل علي درسه ينفع نفسه" التي تترجم علي ارض الملعب الي كله يدور علي عقد احتراف والله والنبي معكو (وعيسي نبي وموسي نبي وكارت احمر للي ما يصلي عالنبي).

احداث المباراة يا احبائي معروفة وهذا هو الوصف الملخص لمباراة الغد وعلي محبي الاثارة ان يقفوا عند هذه النقطة حتي لا اضيع عليهم الاثارة غداً: سيتقدم الوطني باحراز هدف تلو الآخر يتخللهم لعبتين تلاتة حلوين من خط هجوم الوفد سيسفق له الخصم يتلوهم لعب عنيف من الاخوان سيؤدي الي كروت صفرة وحمرة للركب من اللجان والاعلام وحتي سيسفق لها الوفد في حين سيظهر بعض الآخرين من تجمعيين وناصريين وشعبيين وغديين ومستقلين في صفوف المنافس بظهور مشرف تماشياً مع الفانلة واللي مكتوب عالجبين حتشوفه العين. سيخرج الجمهور اكنك يازيد ما غزيت من المباراة التي ستنتهي نتيجتها ٧ للوطني و ٣ للمنافس بنسبة واحد ونص للوفد واحد للاخوان ونص للآخرين وسيتظلم الشعب الاخواني وتتحسر المحظورة علي الديموقراطية الضائعة في اجتماعها الديكتاتوري القادم في حين سترتفع اسهم شركات سيجما ومحطات الحياة الي ان يزهق عزمي وعز من السمسار بدوي وتصبح مسلسلات دريم الحصرية هي الاكثر شعبية بقدرة قادر مرة اخري.

بعد المباراة سيخرج الموقوفون من جحورهم مرة اخري وترجع برامج اديب وعيسي لمجاريها كأن يادار مادخلك شر وكأن اهم انتخابات في تاريخ مصر قرقيعة بالونة ولا فيها ولا فرحة ولا أمل ولا اثارة لكي نترقب سوياً رأس السنة وشم النسيم وتصفيات بطولة الامم عشان احني شعب جميل وطيب وبيحب يتفائل والسلام.

كنيسة العمرانية

كثيراً ما تصلنا من الخارج مصطلحات مثل "صراع الحضارات" او "الاسلاموفوبيا" تفيد ارتباط الدين الاسلامي في أعين الغرب بالإرهاب وبعده عن حقوق الإنسان كما اتفق عليها العالم باجمعه من خلال مواثيق او معاهدات دولية تتشرف مصر كدولة بوجود امضائها عليها. نحزن كل الحزن ونتسائل كيف لهم ان يسيؤوا فهمنا لهذه الدرجة، وبأي منطق يلوثون ديننا الحنيف ودولتنا العفيفة بإفترائاتهم عن اغتصابنا المتكرر لحقوق الأقليات والمستضعفين بدائةً من الاقباط الي المرأة وغيرهم، وغالباً ما نصل في النهاية الي ان هذا مخطط صهيوني هدفه هو الفتك بنا كأمة من خلال سلاح الاعلام حتي تتدني صورتنا أمام العالم وشعوبه.

في الواقع هذا المخطط فعلاً موجود وفعلاً يبالغ في الاحداث ولكن اذا دقننا النظر فيه وفي تفاصيله سنجد اننا اصحابه وليس "الآخرين". المستفيدين الاعداء لا يختلقوا الاخبار ولا يألفونها بل هم يستخدمونها ويغلفونها ثم ينشرونها ثم يتراجعون وينتظروا الخبر التالي وهو آت آت واسرع مما يتمنون. مع استمتاعنا كشعب بكثرة الامثلة الشعبية بسخريتها وبلاغتها الفكرية قليلاً ما نستفيد بها للوصول الي اهدافنا. نحن من قالوا " امشي عدل يحتار عدوك فيك" وفي الوقت ذاته نحن من فقدوا كل ادوات " المشي العدل" في حياتنا وقوانينا وتطبيقها. ان من يريد اظهار عيوبنا لا يحتاج الي بحث او تنقيب فنحن نعطيه "بمشينا العوج" مادة كافية يومياً لاصدار مؤلفات لا حصر لها.

احداث كنيسة العمرانية المؤسفة سرعان ما سنغلفها في اطار غلطة محليات وغياب قانون دور العبادة الموحد وسننسي انها جزئ لا يتجزئ من سلسلة الاضطهاد الواضح للأقلية المصرية المسيحية سواء من خلال القوانين ذاتها او من خلال التعسف في تطبيقها. سنري الانبا شنودة ومفتي الديار يتعانقان ويزايد احدهم علي الآخر في عبارات التآخي بينهما وبين امتيهما كالعادة ونعتقد ان هذا سيذيب جليد المؤامرة الصهيونية. سنسمع ونقرأ من مسؤولين واعلاميين علي ضرورة الموضوعية في نقل الاخبار والحديث عنها والتعامل مع الحدث دون استخدام الفاظ مثل الفتنة الوطنية او دون المبالغة ونعتقد ان اصحاب المؤامرة سينهاروا من هذه السياسة الرشيدة الحكيمة العاقلة ومن ثم سيتركوننا بحالنا. الحقيقة المرة التي نصمم علي تجاهلها من منطلق النعام الذي عندما يغرس رأسه بالارض فهو يعتقد ان الخطر لن ينال منه هي انه بظهور وتفاقم تيار الاسلام السياسي الذن نشهده في العقدين الاخيرين اننا نخسر وطنيتنا ونذيب معالم امتنا خطوة بخطوة. اصبحنا نري ما يريدوننا ان نري ونسمع ما يفتون علينا بسماعه ونفهم من القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فقط ما يريدون ان نفهمه. وطبعاً من حقنا ان نغضب عندما تصدر دول اوروبية قوانين ضدنا كأجانب بمنع بناء مآزن او بمنع النقاب او الحجاب، وان نمنع نحن في بلدنا بناء كنيسة للمصريين الاقباط اهل البلد.

من وجهة نظر اخري نتعجب عندما يتهموننا باهدار حقوق المرأة في حين اننا مقتنعون اقتناع اعمي بان الاسلام جاء لينقذ المرأة من بطش الرجال ولا نتدارك ان التطبيق الحرفي للشريعة الاسلامية في القرن الواحد والعشرين دون فهم مغزاها في آيات الله الحكيمة ودون محاولة حقيقية لإعادة النظر في مفاهيم مثل تعدد الزوجية وطاعة الزوج وقوانين الميراث هو كله دليل علي اننا خزلنا ديننا واهدرنا رسالته واسأنا فهمه. نعم اذا كان الرجل مستقيم ومتماسك بتعاليم دينه ومتكفل باخواته فهذه الرخص كلها حكيمة ولكن اعطاء الرجل هذه الرخص دون التأكد من انه يفي بشروطها فهو قمة اهدار حقوق المرأة والاستخفاف بآدميتها. وهنا ايضاً نري الدعاة والشيوخ الذين يخاطبون العقل ويظهرون الجانب المحترم والحكيم لشخصية المسلم المعتدل ونعتقد ان عمرو خالد قضي علي صهيون ونستمع الي بعضنا البعض في جلسات الشاي والشيشة عن الفرق بين الاسلام الحقيقي والاسلام الظاهري ونعتقد اننا هكذا اثبتنا عدم فهم الاعداء الفرق ومن ثم بطلان ادعائاتهم.

الحقيقة المخيفة هي اننا اصحاب المؤامرة واننا لسنا بحاجة الي صهيون.

بمناسبة انتخابات مجلس الشعب

جميع برلمانات العالم تقوم بدور تشريعي اساسي في كيان الدول كما نعلم. فببساطة شديدة البرلمان هو الذي يسن القوانين والتشريعات المختلفة التي تمثل كاتالوج المسموحات والممنوعات لافراد الشعب.

العضو البرلماني هو بمثابة ممثل لارادة الافراد الذين ينتخبونه لثقتهم به ولاتفاقهم مع افكاره، التي غالباً ما تكون افكار الحزب الذي ينتمي وينتمون اليه، فإذا جاء وقت اصدار قانون جديد فهو يصوت مع او ضد القانون بناءاً علي ما يريدون.   

اما مجلس الشعب المصري فهو يختلف عن اي برلمان في العالم...

فالعمل التشريعي فيه يقتصر علي امانة الحزب الوطني ورئيس المجلس، الذين يشرعون ما يريدون ويصدرون القوانين التي تتماشي مع مصالح "السلطة" وحاشيتها دون تفاعل حقيقي مع الاعضاء الموقرون للمجلس باستثناء لحظة "موافقون" طبعاً.

اما الاعضاء، سواء كانوا من الحزب الحاكم او الاحزاب المعارضة، فهم جميعاً يؤدون دور يشبه المجالس الخدمية او ادارات الحكم المحلي كالمحافظات او الوزارات المختلفة اكثر من كونهم ممثلون برلمانيون.

فهم يحصلون علي اصوات مقابل وعود بتقديم خدمات مثل توصيل الماء والكهرباء او نزع القمامة او التوسط لتوظيف شباب الدائرة او حل مشاكلهم الاخري. وفي الغالب لا يفون بها الا اذا كانوا اولاً لا ينسون اهل دائرتهم بعد الانتخابات وثانياً موافقون وثالثاً يتمتعون برضي الاسياد الحقيقين.
 
وفي الاول والآخر فهذا كله لا دخل له بالعمل البرلماني في مفهومه المجرد الذي يجب ان يناقش القوانين التي تصدرها الدولة لمصلحة الشعب باجمعه. تمثيل الناخبين يكون في اطار مراعاة مصالحهم او ارائهم عند مناقشة القوانين او التصويت لها او ضدها وليس في اطار الخدمة المباشرة.

مفهوم السلطة التشريعية يكون بذلك لا دخل له بمجلس الشعب المصري وهو بالتبعية برئ من كل ما يحدث في مصر.

بالمناسبة: مبروك لحزب الوفد اشتراكه في هذه المهمة الوطنية النبيلة.

الوفد خان الشعب

الحزب الوطني يحتفل داخلياً هذه الايام ويحاول جاهداً إخفاء سعادته بالوفد الشقيق الذي ازاح بقراره خوض الانتخابات التشريعية بضربة واحدة اكبر شبحين كادا افساد خطتهم الهشة في استمرار مسيرتهم الوطنية للنيل من قوط الشعب والقضاء علي آماله. الشبح الأول هو شبح الديمقراطية الممثل في حركة التغيير بقيادة د. البرادعي وتهديدها بخلق جبهة مقاطعة كادت ان تفسد هذه المسرحية الانتخابية المكررة. الشبح الثاني هو شبح الشعبية الحقيقية الممثل في الاخوان المسلمين بتوغلهم وقربهم من خلال افكارهم المتعصبة من نبض الشارع المصري الجاهل الناقم اليائس الذي يمثل - شئنا ام ابينا - الإرادة الحقيقية للاغلبية المصرية. هذه الضربة القاضية التي وجهها حزب الوفد لآمال الشعب المصري في الخلاص من المزلة والتخلف والقهر هي بدافع تقدمهم كحزب معارض علي الآخرين ونيل شرف المركز التاني بما يعطيهم ذلك المركز من ظهور وقدرة علي ادعاء المعارضة من اجل مصلحة الشعب. في حين المكاسب الحقيقية ستكون محصورة في اطار مصالحهم الحزبية والشخصية التي ستزدهر بدون ادني شك بمساعدة الاخ الاكبر الحزب الوطني. وطبعاً لكي تكتمل الصورة سيبدعوننا بمعركة انتخابية قوية تمتزج فيها لغة النضال مع شراسة الحوار. نحن نصفق من الآن يا سيد يا بدوي علي أدائكم الخلاب ونرشحكم لجائزة الأوسكار حتي من قبل ان نحضر عرضكم البارع ونهنئكم مقدماً علي ازدهار أعمالكم ومشاريعكم التي لولا خوفنا من تهمة الاتجار بدم الشعب لاشترينا صكوكها واسهمها.
محمد غنيم
21.9.2010

بعض الخواطر عن التبرع وفعل الخير

مثل ما اندهشت اثناء تتبعي شبه الإجباري لقناوات التلفزيون المصري في شهر رمضان بالكثرة "المريبة" لإعلانات المؤسسات والجمعيات والمستشفيات الخيرية، مثل ما اتعجب بعد رمضان من شبه انقطاعها التام عن الشاشة. وكأن موسم فعل الخير قد نفذ من ناحية و من ناحية اخري قد تم بالفعل علاج آخر مريض واطعام آخر جائع!

ثم دعونا نتطرق لحظات لهذا الماضي القريب، الذي تزامنت فيه بالصدفة البحتة احتياج هذه الجهات "الخيرية" للتبرعات لإتمام مشاريعها، مع رغبة المصري المسلم المؤمن في فعل الخير اثناء الشهر الكريم، وقبل انقضاءه بالأخص لكي يضمن الثواب الاكبر ويفي بطقوس دينه. فهل صرف هذه المبالغ الباهظة علي انتاج كل هذه الاعلانات، ثم علي بثها في جميع القنوات الفضائية والارضية، هي فعلاً الطريقة المثلي لجمع المال؟ وهل فعلاً الدافع الوحيد وراء هذه الهوجة الانتاجية لتلك الدعاية، والتدفق السخي علي دقائق البث الاعلاني الباهظة الثمن - بعد شيخ العرب مباشرةً او بين الجماعة واهل كايرو - كلها بدافع فعل الخير فقط، دون ان يكون فيها استفادة شخصية لأحد؟ و اذا افترضنا مجازاً حسن النية التامة في هذه العملية "التجارية" الضخمة باكملها، وانعدام شبهة الاتجار بمآسي وامراض الناس، فما حكم الدين في الجزئ الكبير من الزكاة الذي يذهب الي تمويل تلك الاعلانات، ودفع مرتبات العاملين بشركات انتاجها، والقنوات التي تذاع عليها، والموظفين الاداريين بالشركات القائمة علي العملية باكملها، فضلاً عن ربح اصحاب كل تلك الجهات؟

ثم دعوني اسألكم بصفة "شخصية" مرة أخري عن موضوع التوقيت. اذا كانت صور الاطفال المرضي في هذه الاعلانات البارعة اخراجاً وانتاجاً تؤرقنا وتدفعنا للتبرع شفقةً عليهم، واحساساً منا بالمسؤلية تجاههم، نحن كمصريين مقتدرين، فاين الزر الذي نضغط عليه جميعاً من بعض رمضان لإخفاء صورتهم الحزينة عن ضميرنا؟ ودون المساس بطقوس ديننا، فدعوني اسأل، اذا تسابق الجميع في تمويل موائد الرحمن وانفق كل من لا يستطيع الصيام علي اطعام مسكين اثناء الشهر رمضان الكريم فقط، فهل يشبع هذا الفقير من هذا التدفق العظيم للوجبات لمدة ١٢ شهر حتي يأتي رمضان القادم ام يدخل ثلاجة حفظ لحين "حاجاتنا نحن له" مرة اخري في رمضان القادم لكي نجمع الثواب "علي حسابه"؟ أرجو مراعاة انني اقصد هنا الاستفزاز لاظهار المعني وليس للتقليل من قيمة الزكاة كفرض من فروض ديننا الحنيف

وأخيراً واذا كان كان القصد هو الزكاة، فما الصعوبة في ان نتجه بانفسنا الي اقرب محتاج او مريض ونعطيه بيدنا طعام او مال؟
واذا اخترنا ان نساند مؤسسة وهو شئ نبيل وليس عليه اي غبار - اذا تأكدنا من حسن اختيارنا واننا لا نقع فريسة لتجار الدين والضمير ومقاولون المآسي والمعاناة - الا نعرف نحن كاشخاص جمعيات وجهات تحتاج لتبرعاتنا دون ان تقدر علي دفع "الملايين" في اعلانات؟ انا شخصياً لدي عناوين واسماء شباب وشابات مصريين يعملون بمالهم وجهدهم الخاص في اطعام المساكين وايوائهم ومساعدتهم طول العام ومستعد ان "اتبرع" بهذه المعلومات لمن يرغب فيها، ولو انني مقتنع ان كل منا اذا فتح عينيه واذنيه وقلبه فسيجد من يستحقون العون دون اي تعب

دعوني اختم بالاستغفار عن ذنب الاثم اذا كان حديثي كله ظن، وادعوكم جميعاً الي دعم المحتاج طوال العام، بصرف النظر عن العقيدة اصلاً او عن توقيت الفريضة، و أخيراً ببذل الجهد في التحقق من ان مساعدتكم تصل بكاملها لمن يحتاجها، لان الثواب الحقيقي هو في "فعل الخير" وليس في "اخراج المال"

محمد غنيم  ٢٠١٠/٩/٢٤

* اذا كان هذا المقال واعوذ بالله سيمنعكم عن فعل الخير فأرجو تجاهله تماماً، واذا كان سيحثكم عليما فيه فائدة فأرجو نشره