Saturday, November 27, 2010

بعض الخواطر عن التبرع وفعل الخير

مثل ما اندهشت اثناء تتبعي شبه الإجباري لقناوات التلفزيون المصري في شهر رمضان بالكثرة "المريبة" لإعلانات المؤسسات والجمعيات والمستشفيات الخيرية، مثل ما اتعجب بعد رمضان من شبه انقطاعها التام عن الشاشة. وكأن موسم فعل الخير قد نفذ من ناحية و من ناحية اخري قد تم بالفعل علاج آخر مريض واطعام آخر جائع!

ثم دعونا نتطرق لحظات لهذا الماضي القريب، الذي تزامنت فيه بالصدفة البحتة احتياج هذه الجهات "الخيرية" للتبرعات لإتمام مشاريعها، مع رغبة المصري المسلم المؤمن في فعل الخير اثناء الشهر الكريم، وقبل انقضاءه بالأخص لكي يضمن الثواب الاكبر ويفي بطقوس دينه. فهل صرف هذه المبالغ الباهظة علي انتاج كل هذه الاعلانات، ثم علي بثها في جميع القنوات الفضائية والارضية، هي فعلاً الطريقة المثلي لجمع المال؟ وهل فعلاً الدافع الوحيد وراء هذه الهوجة الانتاجية لتلك الدعاية، والتدفق السخي علي دقائق البث الاعلاني الباهظة الثمن - بعد شيخ العرب مباشرةً او بين الجماعة واهل كايرو - كلها بدافع فعل الخير فقط، دون ان يكون فيها استفادة شخصية لأحد؟ و اذا افترضنا مجازاً حسن النية التامة في هذه العملية "التجارية" الضخمة باكملها، وانعدام شبهة الاتجار بمآسي وامراض الناس، فما حكم الدين في الجزئ الكبير من الزكاة الذي يذهب الي تمويل تلك الاعلانات، ودفع مرتبات العاملين بشركات انتاجها، والقنوات التي تذاع عليها، والموظفين الاداريين بالشركات القائمة علي العملية باكملها، فضلاً عن ربح اصحاب كل تلك الجهات؟

ثم دعوني اسألكم بصفة "شخصية" مرة أخري عن موضوع التوقيت. اذا كانت صور الاطفال المرضي في هذه الاعلانات البارعة اخراجاً وانتاجاً تؤرقنا وتدفعنا للتبرع شفقةً عليهم، واحساساً منا بالمسؤلية تجاههم، نحن كمصريين مقتدرين، فاين الزر الذي نضغط عليه جميعاً من بعض رمضان لإخفاء صورتهم الحزينة عن ضميرنا؟ ودون المساس بطقوس ديننا، فدعوني اسأل، اذا تسابق الجميع في تمويل موائد الرحمن وانفق كل من لا يستطيع الصيام علي اطعام مسكين اثناء الشهر رمضان الكريم فقط، فهل يشبع هذا الفقير من هذا التدفق العظيم للوجبات لمدة ١٢ شهر حتي يأتي رمضان القادم ام يدخل ثلاجة حفظ لحين "حاجاتنا نحن له" مرة اخري في رمضان القادم لكي نجمع الثواب "علي حسابه"؟ أرجو مراعاة انني اقصد هنا الاستفزاز لاظهار المعني وليس للتقليل من قيمة الزكاة كفرض من فروض ديننا الحنيف

وأخيراً واذا كان كان القصد هو الزكاة، فما الصعوبة في ان نتجه بانفسنا الي اقرب محتاج او مريض ونعطيه بيدنا طعام او مال؟
واذا اخترنا ان نساند مؤسسة وهو شئ نبيل وليس عليه اي غبار - اذا تأكدنا من حسن اختيارنا واننا لا نقع فريسة لتجار الدين والضمير ومقاولون المآسي والمعاناة - الا نعرف نحن كاشخاص جمعيات وجهات تحتاج لتبرعاتنا دون ان تقدر علي دفع "الملايين" في اعلانات؟ انا شخصياً لدي عناوين واسماء شباب وشابات مصريين يعملون بمالهم وجهدهم الخاص في اطعام المساكين وايوائهم ومساعدتهم طول العام ومستعد ان "اتبرع" بهذه المعلومات لمن يرغب فيها، ولو انني مقتنع ان كل منا اذا فتح عينيه واذنيه وقلبه فسيجد من يستحقون العون دون اي تعب

دعوني اختم بالاستغفار عن ذنب الاثم اذا كان حديثي كله ظن، وادعوكم جميعاً الي دعم المحتاج طوال العام، بصرف النظر عن العقيدة اصلاً او عن توقيت الفريضة، و أخيراً ببذل الجهد في التحقق من ان مساعدتكم تصل بكاملها لمن يحتاجها، لان الثواب الحقيقي هو في "فعل الخير" وليس في "اخراج المال"

محمد غنيم  ٢٠١٠/٩/٢٤

* اذا كان هذا المقال واعوذ بالله سيمنعكم عن فعل الخير فأرجو تجاهله تماماً، واذا كان سيحثكم عليما فيه فائدة فأرجو نشره

No comments:

Post a Comment