منذ اندلاع الثورة الشعبية المصرية الشريفة الطاهرة الباسلة في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ونحن المصريين بالخارج في حالة لا استطيع تسميتها ويصعب عليا وصفها. كنا نتعايش دقيقة بدقيقة مع عائلاتنا واصدقائنا في مصر عبر وسائل الاتصلات جميعها. ولكن مع انقطاع الانترنيت والموبايلات عن مصر في عشية الخميس السابع والعشرين من يناير اخذت الامور بعد جديد ومنعطف غريب اجزم ان لن ينساه احداً منا طوال حياته.
اصبحنا فجأة كالصف الثاني الذي لا يري ارض المعركة ولا يسمع جنود المقدمة ولكن تزلزل كل اخبارية ارضه كما لو كان في خندق بين العدو وبين حصننا. نهرول من قناة فضائية عربية الي اخري مصرية ونري هنا عكس ما نسمع هناك. التقينا في مجموعات علي الفيسبوك غرضها نقل المعلومات من ارض المعركة حتي لا نقع فريسة كذب او خداع. اصبح كل من يتصل بجندي في الساحة فينقل بالكلمة الواحدة ما يسمعه عنه ثم نلتقي حول الجملة ونحتفل بها، كمن يدرسون علوم فك الشفرة، فتصبح الجملة محل لنقاش قد يدوم ساعات ويستنفز المئات من الجمل التحليلية والتعبيرية. كنا نستنشق عبير الروح الذي تفوح من كل كلمة وردت علي لسان بطل من الابطال. وكم من مرة ندبنا حظنا اننا لم نحظي بشرف المشاركة، فيتخيل كل منا نفسه وهو يبعث برسالة رمزية سريعة وهو يتفادي قذيفة عدو، او وهو ينطق بما قل ودل من العبارات عبر هاتف حتي يلحق بكتيبته التي لا تستغني عنه دقيقة واحدة.
واذا بالاخبار تتوالي. خسائر مروعة ثم انتصارات عظيمة ومع اي او كل منها تبلغ حماستنا زروتها. نسبح في بحر الامل ان يكتمل النصر حتي نستقبل جنود الصف الاول ونحتفل سوياً. نترقب عودة الانترنت كالطفل الذي يترقب وصول والده محملاً بالهداية فيجلس بجوار باب المنزل تاركاً كل ما بغرفته من العاب اخري. لا نريد سوي رؤياكم يا ابطالنا يا فرسان خيالنا يا مصدر كرامتنا.
وبعد انقطاع دام ٤ ايام مروا علينا كالدهر الابدي وكعمر غير العمر، اذا باول بوادر عودة الاتصال تظهر علي شاشاتنا في ظهيرة يوم الثلاثاء الاول من فبراير، فننهال علي اول جنود تقع اعيننا عليهم بالقبلات والاشعار ونبلغهم بمدي افتخارنا ببطولتهم. كالطفل الذي لن يقبل ان يستريح والده قبل ان يسلمه الكنز المرتقب، نمطرهم بوابل اسئلتنا البريئة التي تمهد سماع بطولاتهم. نحاورهم بطريقة امتحانات التوفل الشهيرة، كمن يصيغ الجملة ناقصة ويضع بعض النقاط القليلة جداً حتي يكملها الآخر باقل مجهود ممكن. ايه يا باشا، احكيلي. طبعاً انت كنت في ميدان التحرير وبدعت، مش كدة؟ اكيد. قوللي الناس عاملة ازاي؟ اكيد حاجة جميلة. يااااا ياريتني كنت معاكوا.
تأتي باول ردود مليئة بالحفاوة المتوقعة وتبادل العناقات ونقرأ عبارات مدلولها يفوق ما تخيلناه من احاسيس جميلة ومشاعر وطنية واجتماعية بديعة. يا ريتك كنت معانا. الله عالشعب المصري. انت مش متخيل" فتقشعر ابداننا مع كل كلمة ويزداد انبهارنا كالنبات الذي ترعرر في ظل خسوف الاتصلات لكي يكتمل نضجة مع شمس التلاقي ونور اللؤي.
فجأة ودون سابق انذار اذا بالرد الذي اوقف نبض امالنا وامطر نيران طموحاتنا يظهر في وسط ضجيج المشاعر وزحام القبلات: ياعم دي حاجة نيلة دول بيخربوا البلد. مالو مبارك يعني؟ اللي نعرفه احسن من اللي ما نعرفوش!!!! ........... واذا بعالم ينهار في داخلنا وقصور تحترق في لحظة. تبين ان الاب آت بكتب مدرسية يجب علي الطفل حفظها وليس لعبة كما تشوق. جنود الصف الاولي لم يجدوا امجاد جديرة بالذكر غير خراب اثر القذائف كإننا لم نتوقع خسائر في حرب وكإننا لم نتفق علي العدو قبل خوض المعركة؟؟؟ يالها من خيبة امل. ياله من سهم في فؤادنا.
هل نحن في الخارج اخطئنا عندما حلمنا؟ هل نحن فقدنا حقنا في الحلم فقط لكوننا في الصف الثاني؟ هل هذه انانية منا ان نتمني النصر وان نثق في جنودنا؟ اخواتنا واصدقائنا يعانون من هول المعركة ونحن نصفق لهم ونشد من عزيمتهم، هل اصبحنا محرضين؟ هل اصبحنا متطفلين؟ يالها من خيبة امل يا لهو من جرح! كم تمنيت ان اكون ممن استشهدوا شرفاء دون ان يسمعوا هذه التساؤلات. وكم اتمني من الجنود الآخرين الذين لم تهتز عزيمتهم ان ينصرونا جميعاً حتي نلتقي جميعاً في ترانيم النصر وصلاوات فجر الحرية. كم اتمني ان تزول خيبة الامل وان نتحد جميعاً مثل ما كنا عندما انقطع الانترنيت!!!
One of the best I read amidst this situation we're in. Absolutely, right you are.
ReplyDelete"Khaibat Al Amal" will soon change I am 100% definite. Tomorrow will be a better day, not just another. We will make a better Egypt, the real one we have in our hearts and souls, the real dream for our coming generations. I'm happy I got to live and witness all this.
And as for all the shallow thinkers and ignorant people who pity the guy, well we can tolerate them as these are the output of Mubarak's regime, what else would you expect then?
And for the record I admire your solid Arabic language that you communicate in and still master, though I know how multilingual you are, you simply made me feel so little. God bless you Mohamed and all the people abroad, who only make us all proud.
Rasha Olama