زمان قبل الثورة بسنين طويلة كنت باتناقش مع زملاء الدراسة الاوروبيين في اوضاع الدول العربية فيما يخص الحقوق والحريات, وكنت باقولهم اياميها ان اللي يهمني هي الغاية اللي هي تحقيق الحياة الكريمة للفرد بما يتضمنه ذلك من عدالة وحرية ورخاء, وهما كانوا بيقولولي الديمقراطية اولاً واخيراً لانها الضمانة الوحيدة للوصول لاي غاية.
فعلياً احنا الاتنين كنا صح. هما كانوا بيحكموا من منطلق رؤيتهم كافراد في مجتمعات متعلمة مثقفة قارئة ناقدة متحررة, وانا كنت باتكلم من منطلق واقع مجتمع اوضاعه الاقتصادية والانسانية متدهورة لاقصي درجة ونسبة الوعي فيه متدنية للغاية نتيجة للجهل والتعصب الديني.
بس حتي لو افترضنا ان هما كانوا "برضه" صح وان الديمقراطية هي الاداة المثلي لتحقيق غايات المجتمعات والحفاظ علي مكتسباتها, فهي برضه لا تتعدي كونها اداة من وجهة نظري, ولا يمكن ان توصف علي انها غاية انسانية, لانها ما هي الا آلية لاتخاذ القرارات, ليس اكثر ولا اقل. وهي كما تضمن عند البعض الوصول لرخاء المجتمعات الناضجة المتعلمة, فهي بكل أسف تضمن ايضاً خراب وضياع المجتمعات اللتي يشوبها الجهل والثقافة المحدودة. وفضلاً عن كونها اداة يمكن سوء استغلالها والتلاعب بيها للوصول لعكس ما تبتغيه الشعوب بمنتهي السهولة, فهي تسمح لمن ينجح في الوصول للحكم عن طريقها, بتبرير خطاياه وجرائمه بانها ارادة الشعب.
وعلشان كدة من اول ايام ما بعد الثورة كان كل كلام الاخوان عبارة عن حملة منظمة ممنهجة مدروسة متفق عليها لشيطنة وتخوين وتكفير النخبة الوطنية الثورية, والسخرية منهم, ومن تشتتهم, ومن بعدهم عن الشعب, ومن استعلائهم عن الشارع, حتي يزعزعوا منهم كقيادات, هي اللتي كان يجب ان تقود الدولة في مرحلة ما بعد الثورة لضمان تحقيق اهداف الثورة الحقيقية. وبهذا اصبحت ديمقراطية الصناديق هي الطريق الوحيد. وكان ما كان, ونجحوا في استغلال الفقر والجهل والتعصب الديني كادوات للنجاح في امتحان الديمقراطية.
وقبل ما خرفان يضلوا طريقهم وييجوا يقولوا اتفضلوا هما دول بتوع النخبة اعداء الديمقراطية احب اعترف واريحهم: ايوة انا من النخبة وافتخر لاني مش اهبل وفاكر ان الكلمة دي شتيمة, وايوة انا ضد ديمقراطية الصناديق كآلية حكم وحيدة في وطن لا يزيد نسبة الوعي السياسي فيه عن 10%.
وبناءً عليه فانا مازلت مقتنع ان ما ينفعش لحكم مصر انتقالياً غير يا إما الزعيم الدكتاتور العادل المثقف القوي اللي نقدر نركبه من الثورة الي كرسي الحكم مباشرةً, يا إما مجلس رئاسي يمثل فيه كل فصائل الشعب تمثيل بنسبهم في المجتمع يتخذ قراراته باغلبية الاصوات. ولما نبقي ننتقل من مرحلة المجتمع اللي بيستخدم الديمقراطية كحبل يشنق بيه نفسه ويقتل بيه احلامه وآماله, الي مرحلة الشعب القادر علي حسن استغلال الديمقراطية وتفادي عيوبها حتي يضمن كرامته وحريته ورخائه, نبقي نعمل انتخابات للصبح ونقف في طوابير من هنا لفرنسا ونعوم ونغطس في بحار الحبر الفوسفوري.
اخيراً اذكركم بشعارات الثورة: عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة انسانية. حد سمع كلمة ديمقراطية؟ لأ؟ عارفين ليه؟ لأن الثورة بضميرها الجمعي كانت اذكي بكتير من عقولنا المنفردة المتفلسفة
أوافق 100% بل و أزيد، الديمقراطية أساسا ليست نظاما طبيعيا بل هي آلية سلمية للنزاع و الصراع السياسي و هي تحتاج إلى جهد دائم للحفاظ عليها
ReplyDeleteإن الإختيار الواعي مهمة صعبة دائما و عدم الإختيار و تركه للغير أسهل و أبسط و كذلك الرفض، حيث أن الإعتراض و الرفض أو المقاطعة لا يكلف شيئ، أما الإختيار الحر يضع مسؤلية على صاحبه و يلزمه بالمحلفظة عليه و الكفاح منأجله....و لهذا لا يوجد شعب أو جماعة من الناس مستعدة بطبيعتها أو منذ مولدها للديمقراطية، و لكن عليها إختيارها و تنظيمها و الدفاع عنها، و الأهم كما قلت في سبيل تحقيقالعدل و الحياة الأفضل
بطرس وديع...طبيب بشري
اشكرك علي قرائتك وتعليقك المفيد يا دكتور بطرس
ReplyDeleteاحسنت - فعلاً هي آلية تحتاج لجهد دائم للحفاظ عليها زي الدوا القوي اللي ماينفعش مريض ياخدوا من غير تعليمات الطبيب المعالج
الديمقراطية تنجح كآلية حكم عندما يتبناها الفرد ويتفهم المسئولية الملقاة علي عاتقه كما تفضلت لان عند إذ سيصبح مجبراً علي تقصي الحقائق قبل اتخاذ قراره
تحياتي